120
العام الهجري
العام الميلادي
لم تظهر
حديث صحيح
علامة صغرى
شرح العلامة
فتنة الدجال:
وفتنته من أعظم الفتن التي تمر على البشرية عبر تاريخها
- يبعث للانسان اباه وامه .. واهو الا الشيطان متمثلا
- استجابة الجماد والحيوان لأمره
- القتل والبعث باذن الله
- يؤمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت
ماذا نفعل وقت فتنته:
- لقد حذرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام من هذه الفتنة وحثنا على قراءة سورة الكهف حتى يعصمنا الله منه حيث قال: مّن حَفِظ عَشْرَ آياتٍ من أوّل سُورّة الكَهْفٍ عُصِم مِن الدجّال.
- كما يمكن للمؤمنين حينها يعتصموا بالحرمين الشريفين لأن الدجال لن يتمكن من دخولهما ..
- و يمكث الدجال بفتنته العظيمة هذه حتى ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ويحارب الدجال ويقتله في منطقة اللد.
صور مرتبطة
الأحاديث التي ذكرت العلامة
حديث صحيح
صحيح مسلم
2937
ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلكَ فِينَا، فَقالَ: ما شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فيه وَرَفَّعْتَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي علَيْكُم، إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتي علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّه شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما لَبْثُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، فَذلكَ اليَوْمُ الذي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فيه صَلَاةُ يَومٍ؟ قالَ: لَا، اقْدُرُوا له قَدْرَهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما إِسْرَاعُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتي علَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فيُؤْمِنُونَ به وَيَسْتَجِيبُونَ له، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عليه قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عنْهمْ، فيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ ليسَ بأَيْدِيهِمْ شيءٌ مِن أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بالخَرِبَةِ، فيَقولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ منه، فَيَمْسَحُ عن وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بدَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيَقولونَ: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حتَّى يَكونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِن مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَومَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ، فيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى الأرْضِ، فلا يَجِدُونَ في الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى اللهِ، فيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ منه بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأرْضَ حتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَومَئذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ، حتَّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعليهم تَقُومُ السَّاعَةُ.
وفي رواية اخرى : وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حتَّى يَنْتَهُوا إلى جَبَلِ الخَمَرِ، وَهو جَبَلُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فيَقولونَ: لقَدْ قَتَلْنَا مَن في الأرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَن في السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بنُشَّابِهِمْ إلى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عليهم نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا
وفي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: فإنِّي قدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَيْ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ.
«ذَكَر الدَّجَّالَ» مأخوذٌ مِن الدَّجَلِ وهو الكَذِب، والدَّجَّالُ: شخصٌ بِعَيْنِه ابتَلَى الله به عبادَه،
«ذاتَ غَدَاةٍ»، أي: في غَدَاةٍ، والغَدَاةُ: ما بينَ الفَجْرِ وطُلوعِ الشَّمْسِ،
«فخَفَّضَ فيه ورَفَّعَ»، أي: مِن كثرةِ ما تَكلَّم فى أمْره خَفَّض صَوْتَه مرَّةً؛ لطولِ الكلامِ وراحةِ تعبِه، ورفَع صوتَه مرَّةً لتبليغِ مَنْ يأبَى عنه وإسماع مَن بَعُد، أو يكون المعنى: بَيَّنَ مِن شأنِه ما هو حَقِيرٌ وما هو رَفِيعٌ جَلِيل كَبِير،
«حتَّى ظَنَنَّاه في طائِفَة النَّخْلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عَرَف ذلك فينا»، فسألهم صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما شأنُكم؟» فأجابوه: «يا رسولَ الله، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فخَفَّضْتَ فيه ورَفَّعْتَ؛ حتَّى ظَنَنَّاهُ في طائفةِ النَّخْل»، أي: ناحِيَتِه وجانِبِه،
فقال: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عليكم»، أي: إنِّي أخافُ على أُمَّتِي غيرَ الدَّجَّالِ أكثرَ مِن خَوْفِي إيَّاه،
ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنْ يَخرُج وأنا فِيكُم، فأنا حَجِيجُه دُونَكم»، أي: خَصْمُه الذي يُحَاجُّه ويُقِيمُ عليه الحُجَّةَ،
«وإن يَخْرُجْ ولستُ فِيكُم، فامْرُؤٌ حَجِيجُ نفسِه»، أي: فكلُّ امْرِئٍ يُحَاجُّه ويُحَاوِرُه ويُغَالِبُه لِنَفْسِه،
«واللهُ خَلِيفَتِي على كلِّ مُسلِم»، أي: اللهُ وَلِيُّ كلِّ مُسلِم وحَافِظُه، فيُعِينُه عليه ويَدْفَعُ شَرَّهُ،
«إنَّه شابٌّ قَطَطٌ»، أي: شديدُ القِصَر، وقيل: شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعَرِ،
«عَيْنُه طافِئَةٌ»، أي: مُرتَفِعَة،
«كأنِّي أُشَبِّهُه بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ» وهو رَجُلٌ مِن خُزَاعَةَ مات في الجَاهِلِيَّةِ،
«فمَن أَدْرَكَه منكم فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورةِ الكَهْفِ»، أي أول سورة الكهف
«إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بينَ الشَّامِ والعِرَاقِ»، أي: خارجٌ في خَلَّةٍ وهي الطَرِيق بينَ هاتين الجِهتينِ، والخَلَّةُ: مَوْضِع صُخُور،
«فعَاثَ يَمِينًا وعَاثَ شِمَالًا» وهو الإسراعُ والشِّدَّة في الفَسَاد،
«يا عِبَادَ الله، فاثْبُتُوا»، لاتهتزوا في ايمانكم
فسَأَل الصحابةُ: «وما لُبْثُه في الأرضِ؟» فأجابهم صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَرْبَعُونَ يومًا، يومٌ كَسَنَةٍ، ويومٌ كَشَهْرٍ، ويومٌ كَجُمُعَةٍ، وسائِرُ أيَّامِه كأيَّامِكُم»،
فسألوا: «يا رسولَ الله، فذلك اليومُ الذي كَسَنَةٍ، أتَكْفِينا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال: لا، اقْدُرُوا له قَدْرَه» وذلك بأنْ يُصَلُّوا في قَدْرِ كلِّ يومٍ وليلةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ؛ فتَجْتَمِعُ في ذلك اليومِ الواحِدِ صلاةُ سَنَةٍ كاملةٍ، ومعناه: أنَّ امتدادَ ذلك اليومِ بهذا القَدْرِ مِن الطُّولِ يكونُ حَقِيقِيًّا، لا أنَّ الناسَ يَظُنُّونَه كذلك لِأَجْلِ ما هُم فيه مِنَ الهَمِّ والغَمِّ لِأَجْلِ المُصِيبَةِ والفَسَادِ.
فسألوا: «يا رسولَ الله، وما إسراعُه في الأرضِ؟ قال: كالغَيْثِ» والمرادُ به: الغَيْمُ، أي: يُسرِعُ في الأرضِ إسراعَ الغَيْمِ
«اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ»، أي: جاءَتْه الرِّيحُ مِن خَلْفِه،
«فيَأْتِي على القومِ فيَدْعُوهُم، فيُؤمِنون به ويَستجِيبُون له، فيَأْمُرُ السماءَ فَتُمْطِرُ، والأرضَ فتُنبِتُ»، وذلك بقدرة الله
«فتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهم أَطْوَلَ ما كانت ذُرًا»، أي: تَرْجِعُ مَسَاءً مَوَاشِيهم أَسْنِمَ مما كانت
«وأَسْبَغَه ضُرُوعًا»، اسبغة أي: أكمَلَه .. و ضُرُوعًا والضَّرْعُ مِن الحيوان بِمَنْزِلَةِ الثَّدْيِ مِنَ المرأةِ، والمقصود الثدي ممتلئ بالحليب
«وأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ»»، أي: أَطْوَلَه أو أَوْسَعَه .. والخواصر أطرافُ البَطْن،
«ثُمَّ يَأْتِي القومَ فيَدْعُوهم، فيَرُدُّونَ عليه قولَه، فيَنصَرِف عنهم، فيُصبِحون مُمْحِلِينَ»، أي: مُصابِين بالقَحْطِ والجَدْبِ
«ليس بأيديهم شيءٌ مِن أموالِهم»، أي يفتقرون
«ويَمُرُّ بِالخَرِبَةِ» وهي الأرضُ غيرُ المَعْمُورَةِ،
«فيقول لها: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فتَتْبَعُه كُنُوزُها كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ» واليَعَاسِيبُ: جمعُ يَعْسُوبٍ، وهو ذَكَرُ النَّحْلِ وأَمِيرُها، والنَّحْلُ تَطِيرُ جُنُودًا مُجنَّدةً وراءَ أَمِيرِها وتَذهب حيثُ ذَهَب، فكأنَّه قال: كما تَتْبَعُ النحلُ يَعَاسِيبَها،
«ثُمَّ يَدْعُو رجلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فيَضْرِبُه بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُه جَزْلَتَيْنِ»، أي: قِطْعَتَيْنِ
«رَمْيَةَ الغَرَضِ»، أي: يَجْعَل بينَ الجَزْلَتَيْنِ مِقدارَ ما بينَ مَكَانِ رَمْيَةِ السَّهْمِ وبينَ الهَدَفِ،
«ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقبِل ويَتَهَلَّلُ وجهُه، يَضْحَكُ»، أي يعود للحياه
«فبَيْنما هو كذلك إذ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ بنَ مَرْيَمَ، فيَنْزِلُ عندَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ»، أي: لَابِسًا مَهْرُودَتَيْنِ، يعني: ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ،
«واضِعًا كَفَّيْهِ على أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَأْطَأَ رأسَه قَطَرَ،»، أي: نَزَلَ قَطْرَةً بعدَ قَطْرَةً
«وإذا رَفَعَه تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كاللُّؤْلُؤِ»، والجُمَانُ: حَبَّاتٌ مصنوعةٌ مِن الفِضَّةِ على هيئةِ اللُّؤْلُؤِ الكِبَارِ، والمُرادُ: يَتحدَّر منه الماءُ أو العَرَقُ على هيئةِ اللُّؤْلُؤِ في الصَّفَاءِ والحُسْنِ،
«فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِه إلَّا مات، ونَفَسُه يَنتهِي حيثُ يَنتهِي طَرْفُه»، أي: لا يُمْكِنُ ولا يَقَعُ
«فيَطْلُبُه»، أي: فيَطْلُبُ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ
«حتَّى يُدْرِكَه ببابِ لُدٍّ» اسمِ قَرْيَةٍ في فِلَسْطِينَ
«فيَقْتُلُه، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى بنَ مَرْيَمَ قومٌ قد عَصَمَهم الله منه، فيَمْسَحُ عن وُجوهِهم»، أي: يَرْحَمُهم ويُواسِيهم ويَتَلطَّف بهم
«ويحدِّثهم بدَرَجاتِهم في الجَنَّةِ، فبَيْنما هو كذلك إذ أَوْحَى الله إلى عِيسَى: إنِّي قد أَخْرَجْتُ عِبَادًا لي لا يَدَانِ لأحدٍ بقتالِهم»، أي: لا قُدرةَ ولا طاقةَ لاحد بقتلهم
«فحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ»، أي: ضُمَّهُم واجْمَعْهُم واجْعَلْه حِرْزًا لهم، والطُّورُ: جَبَلٌ معروفٌ في سَيْنَاءَ،
«ويَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وهم مِن كُلِّ حَدَبٍ»، أي: مِن كلِّ أَكَمَةٍ وموضعٍ مُرتَفِعٍ
«يَنسِلُون»، أي: يَمْشُونَ مُسرِعينَ،
«فيَمُرُّ أوائلُهم على بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فيَشْرَبُونَ ما فيها،» بحيرة طبرية هي بحيرة عذبة المياه تقع بين منطقة الجليل في فلسطين التاريخية (إسرائيل حاليًا) وهضبة الجولان في سوريا، على الجزء الشمالي من مسار نهر الأردن.
«ويَمُرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بِهَذِه مَرَّةً ماءٌ،» اي لا يجدوا بها ماء
«ويُحْصَرُ نَبِيُّ الله عِيسَى وأصحابُه،» أي يحبس
«حتَّى يكونَ رأسُ الثَّوْرِ لأحدِهم خيرًا مِن مِئَةِ دِينَارٍ لأحدِكم اليومَ»، أي: تَبْلُغُ بهم الفَاقَةُ إلى هذا الحَدِّ، وإنَّما ذَكَر رأسَ الثَّوْرِ لِيُقَاسَ البقيَّةُ عليه في القِيمة،
«فيَرْغَبُ نبيُّ الله عِيسَى وأصحابُه»، أي: إلى الله، فيَتضرَّعون له ويَدعُونه أن يَرفعَ عنهم هذا البلاءَ،
«فيُرْسِل اللهُ عليهم النَّغَفَ» وهو دُودٌ يكونُ في أُنُوفِ الإِبِلِ والغَنَمِ
«في رِقَابِهم، فيُصبِحون فَرْسَى» أي قَتْلَى «كمَوْتِ نَفْسٍ واحدةٍ»، أي: يَمُوتون كلُّهم كموتِ نفسٍ واحدةٍ،
«ثُمَّ يَهبِط نبيُّ الله عِيسَى وأصحابُه إلى الأرضِ، فلا يَجِدُونَ في الأرضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إلا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ ونَتْنُهُمْ»، أي: دَسَمُهُم ورائحتُهم الكريهة المُنْتِنَة،
«فيَرْغَبُ نبيُّ الله عِيسَى وأصحابُه إلى الله»، أي: فيَتَضرَّعون له ويَدْعُونَه أن يَرفعَ عنهم هذا البلاءَ،
«فيُرْسِلُ الله طيرًا كأَعْنَاقِ البُخْتِ»، أي: كأعناقِ الإِبِلِ البُخْتِ، وهي الإِبِلُ التي تُنْتَجُ مِن عَرَبِيَّةٍ وغيرِ عَرَبِيَّةٍ، وتكونُ طِوَالَ الأعناقِ،
«فتَحْمِلُهم فَتَطْرَحُهم حيثُ شاء الله»، ترميهم في مكان غير معروف
«ثُمَّ يُرسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ منه»، أي: لا يَسْتُرُ، يعني: لا يَمْنَعُ مِن نُزولِ الماءِ «بيتُ مَدَرٍ» وهو الطِّينُ الصُّلْبُ «ولا وَبَرٍ» والوَبَرُ لِلْإِبِلِ بمنزلةِ الشَّعْرِ لِلْمَعْزِ وبمنزلةِ الصُّوفِ للضَّأْنِ،
«فيَغْسِلُ الأرضَ حتَّى يَتْرُكَها كالزَّلَفَةِ» وهي المِرْآةُ، والمرادُ: أنَّ الماءَ يَعُمُّ جميعَ الأرضِ بحيث يَرى الرائي وجهَه فيه،
«ثُمَّ يُقَالُ للأرضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، ورُدِّي بَرَكَتَكِ،» اخرجي بركاتك
«فيَومئذٍ تَأكُل العِصَابَةُ»، أي: الجماعةُ «مِنَ الرُّمَّانَةِ، ويَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِها»، أي: بقِشْرِها،
«ويُبَارَكُ في الرِّسْلِ»، أي: اللَّبَنِ
«حتَّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ .. لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ الناس»، أي: النَّاقَةَ ذاتَ اللَّبَنِ تكفي الجماعةَ الكبيرةَ
«واللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ .. لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِن الناسِ» أي: البقر ذاتَ اللَّبَنِ يكفي قبيلة .. والقبيلة اصغر من الفئام
«واللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ .. لَتَكْفِي الفَخِذَ مِن الناسِ» أي: الغنم ذاتَ اللَّبَنِ يكفي الأقارِبُ الذين يَنتسِبون إلى جَدٍّ قريبٍ، والمقصود عائلة كبيرة،
«فبَيْنَما هم كذلك إذ بَعَث الله رِيحًا طَيِّبَةً، فتَأْخُذَهم تحتَ آباطِهِم، فتَقبِض رُوحَ كلِّ مؤمنٍ وكلِّ مُسلِمٍ،» يموت المسلمون جميعا
«ويَبْقَى شِرَارُ الناسِ يَتَهَارَجُونَ فيها تَهَارُجَ الحُمُرِ»، الحمر أي الحمير ..
«فعَلَيْهِم تقومُ الساعةُ»، أي: لا على غيرِهم.
وفي روايةٍاخرى : وزاد بعد قولِه: «لقد كان بِهَذِه مَرَّةً ماءٌ»: «ثُمَّ يَسِيرُونَ حتَّى يَنْتَهُوا إلى جَبَلِ الخَمَرِ»، والخَمَرُ: هو الشَّجرُ المُلْتَفُّ الذي يَستُر مَن فيه، وهو جَبَلُ بيتِ المَقْدِسِ، «فيقولون: لقد قَتَلْنَا مَن في الأرضِ، هَلُمَّ» أي تَعَالَ «فَلْنَقْتُلْ مَن في السماءِ، فيَرْمُونَ بِنُشَّابِهم» أي سِهَامِهم «إلى السماءِ» أي إلى جِهَتِها، «فيَرُدُّ الله عليهم نُشَّابَهم مَخْضُوبَةً دَمًا»، أي: مَصْبُوغَةً دَمًا.
وفي روايةِ ابنِ حُجْرٍ: «فإنِّي قد أَنْزَلْتُ عِبَادًا لي، لا يَدَيْ لأحدٍ بقِتالهم».
حديث صحيح
صحيح الجامع
7875
يا أَيُّها الناسُ ! إنها لم تكن فتنةٌ على وجهِ الأرضِ ، منذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدمَ أَعْظَمَ من فتنةِ الدَّجَّالِ ، وإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يَبْعَثْ نبيًّا إلا حَذَّرَ أُمَّتَه الدَّجَّالَ ، وأنا آخِرُ الأنبياءِ ، وأنتم آخِرُ الأُمَمِ ، وهو خارجٌ فيكم لا مَحالةَ ، فإن يخرجْ وأنا بين أَظْهُرِكم ، فأنا حَجِيجٌ لكلِّ مسلمٍ ، وإن يخرجْ من بَعْدِي ، فكلٌّ حَجِيجُ نفسِه ، واللهُ خَلِيفَتِي على كلِّ مسلمٍ ، وإنه يخرجُ من خُلَّةٍ بين الشامِ والعراقِ . فيَعِيثُ يمينًا وشمالًا ، يا عبادَ اللهِ ! أَيُّها الناسُ ! فاثبُتوا فإني سأَصِفُه لكم صفةً لم يَصِفْها إياه قبلي نبيٌّ ، … يقولُ : أنا ربُّكم ، ولا تَرَوْنَ ربَّكم حتى تَمُوتُوا ، وإنه أَعْوَرُ ، وإنَّ ربَّكم ليس بأَعْوَرَ ، وإنه مكتوبٌ بين عَيْنَيْهِ : كافرٌ ، يقرؤُه كلُّ مؤمنٍ ، كاتِبٌ أو غيرُ كاتِبٍ . وإنَّ من فتنتِه أنَّ معه جَنَّةً ونارًا ، فنارُه جنةٌ ، وجنتُه نارٌ ، فمَن ابتُلِيَ بنارِه فلْيَسْتَغِثْ باللهِ ، ولْيَقْرَأْ فواتِحَ الكهفِ… وإنَّ من فتنتِه أن يقولَ للأعرابيِّ : أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك ؟ فيقولُ : نعم ، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه ، فيقولانِ : يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ ، فإنه ربُّك ، وإنَّ من فتنتِه أن يُسَلَّطَ على نفسٍ واحدةٍ فيَقْتُلُها ، يَنْشُرُها بالمِنْشارِ حتى تُلْقَى شِقَّيْنِ ، ثم يقولُ : انظُرُوا إلى عَبْدِي هذا ، فإني أَبْعَثُه ثم يَزْعُمُ أنَّ له ربًّا غيري ، فيبعثُه اللهُ ، ويقولُ له الخبيثُ : مَن ربُّك ؟ فيقولُ : رَبِّيَ اللهُ ، وأنت عَدُوُّ اللهِ ، أنت الدَّجَّالُ ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ . وإنَّ من فتنتِه أن يأمرَ السماءَ أن تُمْطِرَ ، فتُمْطِرُ ، ويأمرَ الأرضَ أن تُنْبِتَ ، فتُنْبِتُ . وإنِّ من فتنتِه أن يَمُرِّ بالحيِّ فيُكَذِّبونه ، فلا يَبْقَى لهم سائمةٌ إلا هَلَكَت . وإنَّ من فتنتِه أن يَمُرَّ بالحيِّ ، فيُصَدِّقونه ، فيأمرُ السماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرُ ، ويأمرُ الأرضَ أن تُنْبِتَ فتُنْبِتُ ، حتى تَرُوحَ مَواشِيهِم من يومِهِم ذلك أَسْمَنَ ما كانت ، وأَعْظَمَه ، وأَمَدَّه خَواصِرَ وأَدَرَّهُ ضُروعًا . وإنه لا يَبْقَى شيءٌ من الأرضِ إلا وَطِئَه وظَهَر عليه ، إلا مكةَ والمدينةَ ، لا يأتِيهِما من نَقَب من أنقابِهِما إلا لَقِيَتْهُ الملائكةُ بالسيوفِ صَلْتَةً ، حتى يَنْزِلَ عند الضَّرِيبِ الأحمرِ ، عند مُنْقَطَعِ السَّبَخةِ ، فتَرْجُفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رَجْفاتٍ ، فلا يَبْقَى فيها منافقٌ ولا منافقةٌ إلا خرج إليه ، فتَنْفِي الخبيثَ منها ، كما يَنْفِي الكيرُ خَبَثَ الحديدِ ، ويُدْعَى ذلك اليومُ يومَ الخَلَاصِ ، قيل : فأين العربُ يَوْمَئِذٍ ؟ قال : هم يَوْمَئِذٍ قليلٌ ، . . . وإمامُهم رجلٌ صالحٌ ، فبَيْنَما إمامُهم قد تَقَدَّم يُصَلِّي بهِمُ الصُّبْحَ ، إذ نزل عليهم عيسى ابنُ مريمَ الصُّبْحَ ، فرجع ذلك الإمامُ يَنْكُصُ يَمْشِي القَهْقَرَى ليتقدمَ عيسى ، فيضعُ عيسى يدَه بين كَتِفَيْهِ ، ثم يقولُ له : تَقَدَّمْ فَصَلِّ ؛ فإنها لك أُقِيمَتْ ، فيُصَلِّى بهم إمامُهم ، فإذا انصرف قال عيسى : افتَحوا البابَ ، فيَفْتَحُون ووراءَه الدَّجَّالُ ، معه سبعونَ ألفَ يهوديٍّ ، كلُّهم ذو سيفٍ مُحَلًّى وسَاجٍ ، فإذا نظر إليه الدَّجَّالُ ذاب كما يذوبُ المِلْحُ في الماءِ . وينطلقُ هاربًا ، … فيُدْرِكُه عند بابِ لُدٍّ الشرقيِّ ، فيقتلُه ، فيَهْزِمُ اللهُ اليهودَ ، فلا يَبْقَى شيءٌ مِمَّا خلق اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَتَواقَى به يهوديٌّ ، إلا أَنْطَقَ اللهُ ذلك الشيءَ ، لا حَجَرٌ ولا شجرٌ ولا حائطٌ ولا دابةٌ ، إلا الغَرْقَدَةُ ، فإنها من شَجَرِهِم لا تَنْطِقُ ، إلا قال : يا عبدَ اللهِ المسلمَ هذا يهوديٌّ فتَعَالَ اقتُلْه . فيكونُ عيسى ابنُ مريمَ في أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا ، وإمامًا مُقْسِطًا يَدُقُّ الصليبَ ، ويَذْبَحُ الخِنْزيرَ ، ويضعُ الجِزْيةَ ، ويتركُ الصدقةَ ، فلا يُسْعَى على شاةٍ ولا بعيرٍ ، وتُرْفَعُ الشحناءُ والتباغُضُ ، وتُنْزَعُ حِمَةُ كلِّ ذاتِ حِمَةٍ ، حتى يُدْخِلَ الوليدُ يدَه في فِيِّ الحَيَّةِ ، فلا تَضُرُّه ، وتَضُرُ الوليدةُ الأسدَ فلا يَضُرُّها ، ويكونُ الذئبُ في الغنمِ كأنه كلبُها ، وتُمْلَأُ الأرضُ من السِّلْمِ كما يُمْلَأُ الإناءُ من الماءِ ، وتكونُ الكلمةُ واحدةً ، فلا يُعْبَدُ إلا اللهُ ، وتضعُ الحربُ أوزارَها ، وتُسْلَبُ قريشٌ مُلْكَها ، وتكونُ الأرضُ كفاثورِ الفِضَّةِ ، تُنْبِتُ نباتَها بعَهْدِ آدمَ حتى يجتمعَ النَّفَرُ على القِطْفِ من العنبِ فيُشْبِعُهم ، ويجتمعُ النَّفَرُ على الرُّمَّانةِ فتُشْبِعُهم ، ويكونُ الثُّوْرُ بكذا وكذا وكذا من المالِ ، ويكونُ الفَرَسُ بالدُّرَيْهِماتِ ، … وإنَّ قبلَ خروجِ الدَّجَّالِ ثلاثَ سنواتٍ شِدادٍ ، يُصِيبُ الناسَ فيها جُوعٌ شديدٌ ، يأمرُ اللهُ السماءَ السنةَ الأولى أن تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِها ، ويأمرُ الأرضَ أن تَحْبِسَ ثُلُثَ نباتِها ، ثم يأمرُ السماءَ في السنةِ الثانيةِ فتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِها ، ويأمرُ الأرضُ فتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نباتِها ، ثم يأمرُ السماءَ في السنةِ الثالثةِ فتَحْبِسُ مطرَها كلَّه ، فلا تَقْطُرُ قُطْرةً ، ويأمرُ الأرضَ فتَحْبِسُ نباتَها كلَّه فلا تُنْبِتُ خضراءَ ، فلا يَبْقَى ذاتُ ظِلْفٍ إلا هَلَكَت إلا ما شاء اللهُ ، قيل : فما يُعِيشُ الناسَ في ذلك الزمانِ ؟ قال : التهليلُ ، والتكبيرُ ، والتحميدُ ، ويُجْزِئُ ذلك عليهم مَجْزَأَةَ الطعامِ
خُروجُ الدَّجَّالِ الكَذَّابِ آخِرَ الزَّمانِ أعظَمُ فِتْنةٍ ستَمُرُّ على البَشَريَّةِ؛ فمَن أدْرَكَها ثمَّ حُفِظَ منها، فهو المُوَفَّقُ مِن اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وقد حَذَّرَنا منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأمَرَنا بالتَّمسُّكِ بالعَقيدةِ الصَّحيحةِ والإيمانِ باللهِ كما يُبيِّنُ هذا الحَديثُ، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا أيُّها النَّاسُ"، وهذا نداءٌ لاسْتِرْعاءِ انتِباهِ النَّاسِ لِيُصْغوا جيِّدًا لِمَا سيُقالُ لهم، "إنَّها لم تكُنْ فِتْنةٌ"، والفِتْنةُ هَرْجٌ وشَرٌّ يُنشَرُ بيْنَ النَّاسِ، ويَقَعُ فيه قَتْلٌ وقَلْبٌ لِحَقائِقِ الإيمانِ "على وَجهِ الأرْضِ مُنذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أعظَمُ"، أي: أشَدُّ وأخطَرُ "مِن فِتْنةِ الدَّجَّالِ"، أي: المَسيحُ الدَّجَّالُ، مَأْخوذٌ مِن الدَّجَلِ وهو الكَذِبُ، والدَّجَّالُ: شَخْصٌ بِعَيْنِه يَبتَلِي اللهُ به عِبادَهُ، ويُقدِرُهُ على أشياءَ مِن مَقدُوراتِ اللهِ تَعالى: مِن إحياءِ الميِّتِ الذي يَقتُلُهُ، وظُهورِ زَهرَةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وغَيرِ ذلك فِتْنةً للنَّاسِ وامتِحانًا. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَبعَثْ نَبيًّا إلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ"؛ لِخَطَرِهِ وشَرِّهِ؛ حتى يَكونوا على حَذَرٍ منه إنْ ظَهَرَ فيهم، "وأنا آخِرُ الأنبياءِ، وأنتُمْ آخِرُ الأُمَمِ، وهو خارِجٌ فيكم لا مَحالةَ"، وهذا من نافِلِ القَولِ؛ لِزيادةِ تَحْذيرِهِم من الدَّجَّالِ؛ لأنَّه أصبَحَ من المُؤكَّدِ أنَّه سيَخرُجُ فيهم؛ لأنَّ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخِرُ الأنبياءِ وأُمَّتَهُ آخِرُ أُمَمِ الأنبياءِ، "فإنْ يَخرُجْ وأنا بيْنَ أظْهُرِكُم"، أي: وأنا حيٌّ ومَوْجودٌ بيْنَكم، "فأنا حَجيجٌ لكُلِّ مُسلِمٍ"، أكونُ أنا الخَصْمَ الَّذي يُحَاجِجُ الدَّجَّالَ، ويُقِيمُ عليه الحُجَّةَ نِيابةً عن كُلِّ مُسلِمٍ، "وإنْ يَخرُجْ مِن بَعدِي، فكُلٌّ حَجيجُ نَفسِهِ"، أي: فكُلُّ امْرِئٍ يُحَاجُّهُ ويُحَاوِرُهُ ويُغَالِبُهُ لِنَفْسِهِ، "واللهُ خَليفَتي على كُلِّ مُسلِمٍ"، فاللهُ وَلِيُّ كُلِّ مُسلِمٍ وحَافِظُهُ، فيُعِينُهُ عليه ويَدْفَعُ شَرَّهُ.
ثُمَّ بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكانَ خُروجِه فقالَ: "وإنَّه يَخرُجُ من خَلَّةٍ بيْنَ الشَّامِ والعِراقِ"، وهِيَ الطَّريقُ بيْنَ هاتَينِ الجِهتَينِ، والخَلَّةُ: مَوْضِعُ صُخُورٍ، "فيَعيثُ يَمينًا وشِمالًا"، يعني: يُسرِعُ ويَشتَدُّ في الفَسَادِ في كُلِّ الجِهاتِ والنَّواحي، "يا عبادَ اللهِ! أيُّها النَّاسُ! فاثْبُتوا"، أي: تَمسَّكُوا بالحقِّ واثْبُتوا عليه؛ "فإنِّي سأصِفُهُ لكم صِفةً لم يَصِفْها إيَّاهُ قَبْلي نَبيٌّ"، أي: سأصِفُهُ لكم صِفةً جامِعةً تَعْرِفونَهُ بها، ولا يَخْفَى عليكم فاسْتَمِعوها واحْفَظوها عنِّي، "يقولُ"، أي الدَّجَّالُ: "أنا ربُّكُم. ولا تَرَونَ ربَّكُم حتَّى تَموتوا"، أي: من عَلاماتِ كَذِبِ الدَّجَّالِ أنَّه يَدَّعي ويَزعُمُ أنَّه رَبُّ النَّاسِ، ولكِنَّ الحَقيقةَ أنَّ اللهَ ربَّ العالَمينَ لا يَراهُ أحَدٌ من المُؤمِنينَ إلَّا بعدَ المَوتِ، وأنَّه لا يَتجسَّدُ في صُوَرِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ ذَكَرَ شَكْلَ الدَّجَّالِ، "وإنَّه أعوَرُ"، أي: عَيْنُهُ مَطْموسةٌ لا تَرى "وإنَّ ربَّكُم ليس بأعوَرَ"، والمَعْنى أنَّ اللهَ الحقَّ كامِلُ الأوْصافِ، وليس به صِفةُ نَقصٍ، وليس على صِفةِ الدَّجَّال الأعوَرِ، بل له عَينانِ تَليقانِ به سُبحانَه، ليسَ كمِثلِه شَيءٌ، "وإنَّه مَكْتوبٌ بيْنَ عَينَيهِ: كافِرٌ"، أي: مَكْتوبٌ على جَبهَتِهِ بحُروفٍ ظاهِرةٍ كَلِمةُ كافِرٍ أو (كفر)، "يَقرَؤُهُ كُلُّ مُؤمِنٍ"، أي: يَراهُ كُلُّ مَن ثبَتَ على إيمانِهِ، ويَقرَأُ المَكْتوبَ بيْنَ عَيْنَيِ الدَّجَّالِ، يَقدِرُ على قِراءَتِهِ المُؤمِنُ، وهي كِتابةٌ حقيقةً جَعَلَها اللهُ آيةً وعَلامةً من جُملةِ العَلاماتِ القاطِعةِ بكُفرِهِ وكَذِبِهِ، يُظهِرُها اللهُ تَعالى لكُلِّ مُسلِمٍ ويُخْفيها عمَّن أرادَ شَقاوَتَهُ وفِتْنَتَهُ، "كاتِبٌ أو غَيرُ كاتِبٍ"، أي: سواءً منهم مَن كان يَعرِفُ القِراءةَ والكِتابةَ قَبلَ ذلك أوْ لا يَعرِفُ، فإنَّ اللهَ سيُلهِمُهُ المعرفةَ والقِراءةَ، وهذا مِن تَثْبيتِ اللهِ للمُؤمِنينَ في هذه الفِتْنةِ.
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإنَّ مِن فِتْنَتِهِ أنَّ معه جَنَّةً ونارًا" وهذا فيما يَراهُ النَّاسُ، "فنارُهُ جَنَّةٌ، وجَنَّتُهُ نارٌ"، وهذا عَكسُ ما يَراهُ النَّاسُ، ولكِنَّ المُؤمِنَ الحقَّ يَعلَمُ حَقيقةَ قَلبِ الأُمورِ مع الدَّجَّالِ، "فمَنِ ابتُلِيَ بنَارِهِ فلْيَستَغِثْ باللهِ"، أي: يَطلُبُ الغَوثَ والعَونَ من اللهِ؛ لِيُقوِّيَهُ على هذه الفِتْنةِ، "ولْيَقرَأْ فَواتِحَ الكَهْفِ"، أي: يَقرَأُ أوائِلَ سُورةِ الكَهفِ؛ فإنَّها تَعصِمُهُ من الدَّجَّالِ، وفي صَحيحِ مُسلِمٍ: "مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ من أوَّلِ سُورةِ الكَهْفِ عُصِمَ من الدَّجَّالِ"، وفي لَفظٍ: "مِن آخِرِ الكَهْفِ"، ورواياتٌ أُخرى فيها أنَّ السُّورةَ كُلَّها تَقي من الدَّجَّالِ، وعلى هذا يَجتَمِعُ روايةُ مَن رَوى أوَّلَ سُورةِ الكَهفِ مع مَن رَوى مِن آخِرِها.
"وإنَّ مِن فِتنَتِهِ أنْ يقولَ للأعْرابيِّ"، وهو من سُكَّانِ البَوادي والصَّحاري، ولعلَّ اختيارَ الأعْرابيِّ؛ لأنَّه يكونُ عادةً أقَلَّ مَعرفةً بالدِّينِ، فيكونُ أكثَرَ انخِداعًا وأشَدَّ فِتْنةً لِعَدَمِ عِلمِهِ، فيقولُ له: "أرأيتَ إنْ بَعَثتُ لكَ أباكَ وأُمَّكَ! أتشهَدُ أنِّي ربُّك؟ فيقولُ: نَعَمْ، فيَتمثَّلُ له شَيْطانانِ في صُورةِ أبيهِ وأُمِّهِ"، وهذا من فِتْنةِ الشَّياطينِ ومُساعَدَتِهِم في إضْلالِ النَّاسِ، "فيَقولانِ: يا بُنَيَّ، اتَّبِعْهُ؛ فإنَّه ربُّكَ"، وهذا كَذِبٌ وسِحرٌ ودَجَلٌ من الشَّياطينِ.
"وإنَّ مِن فِتنَتِهِ أنْ يُسلَّطَ على نَفسٍ واحِدةٍ فيَقتُلَها، يَنشُرُها بالمِنْشارِ"، أي: يَقطَعُها بالمِنْشارِ، "حتَّى تُلْقى شِقَّينِ"، أي: نِصفَينِ كُلُّ نِصفٍ في جانبٍ، "ثُمَّ يقولُ: انْظُروا إلى عَبدي هذا، فإنِّي أبعَثُهُ ثُمَّ يَزعُمُ أنَّ له ربًّا غَيري، فيَبعَثُهُ اللهُ"، يعني: يُحْييه اللهُ الحقُّ بقُدرَتِهِ ولا يُحْييهِ الدَّجَّالُ، وهذا من إضْلالِ الدَّجَّالِ، ومن الزِّيادةِ في فِتنَتِهِ؛ لِيَميزَ اللهُ الخَبيثَ من الطَّيِّبِ، ومَن يُؤمِنُ باللهِ الحقِّ، ومَن يُؤمِنُ بالدَّجَّالِ الكَذَّابِ بعدَ أنْ جاءَتْهُ البيِّناتُ، "ويقولُ له الخَبيثُ"، أي: يقولُ الدَّجَّالُ للشَّخصِ الَّذي أحْياهُ اللهُ: "مَن ربُّك؟ فيقولُ: ربِّيَ اللهُ، وأنتَ عَدُوُّ اللهِ، أنتَ الدَّجَّالُ! واللهِ ما كُنتُ قَطُّ أشَدَّ بَصيرةً بكَ مِنِّي اليَومَ"! وهذا المُؤمِنُ أحْياهُ اللهُ الحقُّ وثَبَّتَهُ وعَصَمَهُ من فِتْنةِ الدَّجَّالِ؛ لِيكونَ شاهِدًا على كَذِبِ هذا الخَبيثِ؛ ولِيَعلَمَ النَّاسُ أنَّه كاذِبٌ، ويُحاوِلُ الدَّجَّالُ قَتْلَ هذا المُؤمِنِ ولكِنَّه لا يَستطيعُ كما أنَّه لا يَستطيعُ أنْ يُحيِيَ أحَدًا ميِّتًا غَيرَهُ مرَّةً أُخرى.
"وإنَّ مِن فِتنَتِهِ أنْ يَأمُرَ السَّماءَ أنْ تُمطِرَ، فتُمطِرَ، ويَأمُرَ الأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ"، وهذا كُلُّه يَحدُثُ بأمْرِ اللهِ الإلهِ الحقِّ. "وإنَّ من فِتنَتِهِ أنْ يمُرَّ بالحيِّ فيُكذِّبونَهُ"، أي: لا يُؤمِنونَ به، "فلا يَبْقى لهم سائِمةٌ إلَّا هَلَكَتْ"، أي: يُعاقِبُهُم؛ فيُميتُ مَواشِيَهم وحَيَواناتِهِم التي يَنتَفِعونَ بها. "وإنَّ مِن فِتنَتِهِ أنْ يمُرَّ بالحيِّ، فيُصدِّقونَهُ"، أي: يُؤمِنون به، فيَأمُرَ السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، ويَأمُرَ الأرْضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ، حتى تروحَ مَواشيهم مِن يَومِهِم ذلك أسْمَنَ ما كانتْ، وأعظَمَهُ، وأمَدَّهُ خَواصِرَ"، أي: مُمتلِئةُ البُطونِ، "وأدَرَّهُ ضُروعًا"، أي: أكثَرَ امتِلاءً باللَّبَنِ، وأكثَرَ حَلْبًا، والضَّرْعُ مِن الحَيَوانِ بِمَنزِلةِ الثَّدْيِ مِنَ المرأةِ.
ثُم يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن انتشارِ فِتنتِه في الأرضِ فيقولُ: "وإنَّه لا يَبْقى شَيءٌ من الأرْضِ إلَّا وَطِئَهُ وظَهَرَ عليه"، أي: إنَّه يَدورُ ويَطوفُ في كُلِّ أنْحاءِ الأرْضِ ويَدخُلُها "إلَّا مكَّةَ والمدينةَ" وهُما حَرَمَا اللهِ ورَسولِهِ، "لا يَأتيهما من نَقْبٍ من أنْقابِهِما"، والنَّقْبُ النَّاحيةُ والجِهةُ، والمُرادُ: أنَّه لا يُريدُ دُخولَهم من أيِّ جِهةٍ؛ "إلَّا لَقِيَتْهُ الملائِكةُ بالسُّيوفِ صَلْتةً"، أي: شاهِرةً سُيوفَها دِفاعًا وحِمايةً للحَرَمينِ، "حتى يَنزِلَ عِندَ الظُّرَيبِ الأحْمرِ" هو الكَومُ من الرَّمْلِ، "عِندَ مُنقَطَعِ السَّبَخةِ"، وفي روايةٍ عِندَ البُخاريِّ عِندَ "سَبَخةِ الجُرفِ"، وهو مَكانٌ بطَريقِ المدينةِ من جِهةِ الشَّامِ على بُعدِ مِيلٍ، وقيلَ: على ثَلاثةِ أمْيالٍ، والسَّبَخةُ هي الأرْضُ التي تَعْلوها المُلوحةُ، ولا تَكادُ تُنبِتُ إلَّا بعضَ الشَّجَرِ، "فتَرجُفُ المدينةُ بأهْلِها ثَلاثَ رَجَفاتٍ"، أي: تَهتَزُّ وتَتحرَّكُ المدينةُ ويَضطرِبُ أهْلُها ثَلاثَ مرَّاتٍ، وقيلَ: المُرادُ بالرَّجْفةِ الأرْفاقُ، وهو إشاعةُ مَجيئِهِ، وأنَّه لا طاقةَ لأحَدٍ به، فيُسارِعُ حينئذٍ إليه مَن كان يتَّصِفُ بالنِّفاقِ أو الفِسْقِ فيَظهَرُ حينئذٍ تمامُ أنَّها تَنْفي خَبَثَها، "فلا يَبْقى فيها مُنافِقٌ ولا مُنافِقةٌ إلَّا خرَجَ إليه"، أي: يَتَّبِعونَهُ، "فتَنْفي الخَبيثَ منها، كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحَديدِ"، أي: تَتطهَّرُ المدينةُ من مُنافِقيها وفُسَّاقِها الذين هُمْ خَبَثٌ ودَنَسٌ، "ويُدْعَى ذلك اليَومُ يَومَ الخَلاصِ"، أي: يومَ تَتخلَّصُ فيه المدينةُ من أدْناسِ مَن كانوا فيها.
فعِندَ ذلك سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "قيلَ: فأينَ العَرَبُ يَومئذٍ؟ قال: هُم يَومئذٍ قَليلٌ"، وفي روايةٍ: "وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ المَقْدِسِ"، أي: أكثَرُ منَ بَقِيَ من العَرَبِ يكونُ عِندَ بَيتِ المَقْدِسِ، "وإمامُهُم رَجُلٌ صالِحٌ"، وهو المَهْديُّ، واسْمُهُ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ على اسْمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فبيْنَما إمامُهُم قد تقدَّمَ يُصَلِّي بهم الصُّبحَ، إذْ نَزَلَ عليهم عيسى ابنُ مَريَمَ الصُّبحَ، فرجَعَ ذلك الإمامُ يَنكُصُ يَمْشي القَهْقَرَى"، أي: يَرجِعُ عن مَوقِفِ الإمامةِ في الصَّلاةِ؛ "لِيتقدَّمَ عيسى، فيضَعُ عيسى يَدَهُ بيْنَ كَتِفَيهِ" تَقْديرًا له، ولِمَكانَتِهِ، ورِفْقًا به، "ثُمَّ يقولُ له: تقدَّمْ فصَلِّ"، وهذا من تَكرِمةِ اللهِ لهذه الأُمَّةِ أنَّ إمامَهُم يكونُ منهم؛ "فإنَّها لك أُقيمَتْ"، أي: أُقيمَتِ الصَّلاةُ وأنتَ إمامٌ للنَّاسِ؛ فأكْمِلْ إمامَتَكَ، "فيُصَلِّي بهم إمامُهُم، فإذا انصَرَفَ" من الصَّلاةِ قال عيسى عليه السَّلامُ: "افْتَحوا البابَ"، وهو البابُ الَّذي يَتحصَّنونَ خَلْفَهُ "فيَفتَحونَ ووراءَهُ الدَّجَّالُ، معه سَبْعونَ أَلْفَ يَهوديٍّ، كُلُّهم ذو سَيفٍ مُحلًّى وَساجٍ"، أي: إنَّهم مُسلَّحونَ بالسُّيوفِ وآلةِ الحَربِ، والسَّاجُ هو الطَّيْلَسانُ، وهوَ الثَّوبُ الَّذي به خُطوطٌ، وكِساءٌ يُوضَعُ على الكتِفِ، أو يُحِيطُ بالبَدنِ، ويُعرَفُ بالشَّالِ؛ قيلَ: المُرادُ بالطَّيْلَسانِ هُنا هو الطَّيْلَسانُ الأخْضَرُ المُقوَّرُ، أي: المُدوَّرُ، وهو لِباسُ اليَهودِ قَديمًا والعَجَمِ أيضًا، وهو على شَكْلِ الطَّرحةِ؛ يُرسَلُ مِن وراءِ الظَّهرِ والجانِبَينِ؛ قيلَ: وهو من شِعارِ اليَهودِ، وهو غَيرُ الطَّيْلَسانُ المُربَّعُ الذي يُدارُ من تحتِ الحَنَكِ، ويُغطِّي الرَّأسَ وأكثَرَ الوَجْهِ، ويُجعَلُ طَرَفاهُ على الكَتِفَينِ.
فإذا نظَرَ الدَّجَّالُ إلى عِيسى عليه السَّلامُ "ذابَ كما يَذوبُ المِلحُ في الماءِ"؛ وذلك من شِدَّةِ خَوفِهِ من عيسى ابنِ مَريَمَ؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّ هَلاكَهُ على يَدَيهِ، "ويَنطَلِقُ هارِبًا، فيُدرِكُهُ عِندَ بابِ لُدٍّ الشَّرقيِّ" ولُدٌّ: مَوضِعٌ بالشَّامِ، وقيلَ: بفِلَسطِينَ، "فيَقتُلُهُ، فيَهزِمُ اللهُ اليَهودَ" خِزْيًا لهم على كُفرِهِم واتِّباعِهِم الدَّجَّالَ، "فلا يَبْقى شَيءٌ ممَّا خَلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ يَتَواقى به يَهوديٌّ"، أي: يَحْتَمي به ويَخْتَفي خَلْفَهُ، "إلَّا أنطَقَ اللهُ ذَلِكَ الشَّيءَ"، فيُخبِرُ باخْتِباءِ يَهوديٍّ خَلْفَهُ، وكذلك "لا حَجَرَ، ولا شَجَرَ، ولا حائِطَ، ولا دابَّةَ، إلَّا الغَرْقَدةُ" هو ضَربٌ من شَجَرِ العِضاهِ، وشَجَرِ الشَّوكِ، "فإنَّها من شَجَرِهِم لا تَنطِقُ، إلَّا قال: يا عبدَ اللهِ المُسلِمُ، هذا يَهوديٌّ، فتَعالَ اقْتُلْهُ"، وهذه مُعجِزةٌ من اللهِ تدُلُّ على قُدرَتِهِ، وأنَّه هو الإلَهُ الحقُّ ويَشهَدُ كُلُّ شَيءٍ بقُدرَتِهِ ووَحْدانيَّتِهِ، ويَشهَدُ أنَّ الدَّجَّالَ كَذَّابٌ، "فيكونُ عيسى ابنُ مَريَمَ في أُمَّتي حَكَمًا"، أي: حاكِمًا بيْنَ النَّاسِ، "عَدْلًا، وإمامًا مُقسِطًا"، أي: عادِلًا في الحُكمِ، "يَدُقُّ الصَّليبَ"، أي: يَكسِرُهُ بحيثُ لا يَبْقى من جِنسِ الصَّليبِ شَيءٌ، "ويَذبَحُ الخِنْزيرَ"، يعني: يُحرِّمُ أكْلَهُ أو يَقتُلُهُ بحيثُ لا يُوجَدُ في الأرضِ ليأكُلَهُ أحَدٌ، والحاصِلُ: أنَّه يُبطِلُ دِينَ النَّصارى الذي حرَّفوهُ مِن بَعدِهِ، "ويضَعُ الجِزْيةَ"، أي: لا يَقبَلُها من أحَدٍ من الكَفَرةِ بل يَدْعوهُمْ إلى الإسلامِ. وقيلَ: يُقرِّرُها ويَضرِبُها على جَميعِ الكُفَّارِ، ويَنْقادُ جَميعُ النَّاسِ له؛ إمَّا بالإسْلامِ؛ وإمَّا بإلْقاءِ اليَدِ. وقيلَ: مَعْناهُ يُوقِفُ الجِزْيةَ إذ يَصيرُ الدِّينُ واحِدًا، فلا يَبْقى أحَدٌ من أهْلِ الذِّمَّةِ يُؤدِّي الجِزْيةَ. وقيلَ: يَترُكُ الجِزْيةَ مع وُجودِ أهْلِ الذِّمَّةِ، استِغْناءً عنها لِكَثْرةِ المالِ، وعَدَمِ وُجودِ مَن يُمكِنُ صَرفُها له، "ويَترُكُ الصَّدَقةَ" يعني: يَترُكُ الَّزكاةَ لِكَثْرةِ الأمْوالِ؛ "فلا يَسْعى على شاةٍ ولا بَعيرٍ"، وذلك بأنْ يَترُكَ زَكاتَها، فلا يكونُ لها ساعٍ يَطلُبُ زَكاتَها؛ إذ لا يُوجَدُ مَن يَقبَلُها.
ثُم يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يَحصُلُ في الأرضِ بعد هلاك الدَّجَّالِ مِن خَيرٍ ووُدٍّ وتآلُفٍ حتى بين الناسِ وبينَ الحيواناتِ المفترِسةِ، ومِن السِّلمِ والأمْنِ والطُّمأنينةِ وغير ذلك، فيقول: "وتُرفَعُ الشَّحْناءُ والتَّباغُضُ"، أي: تَذهَبُ من صُدورِ النَّاسِ، فقد ظَهَرَ الحقُّ وعَلِموا أنَّ الدُّنيا لا تُساوي شيئًا على وَجهِ الحَقيقةِ بعدَ أنْ رَأوُا الآياتِ، وعَلِموا الحقَّ واليَقينَ، وانشَغَلوا بأُمورِ السَّاعةِ، "وتُنزَعُ حُمةُ كُلِّ ذاتِ حُمةٍ" والحُمةُ هي السُّمُّ، ويُطلَقُ على إبْرةِ العَقْربِ للمُجاوَرةِ؛ لأنَّ السُّمَّ منها يَخرُجُ، "حتى يُدخِلَ الوليدُ يَدَهُ في فِي الحَيَّةِ"، أي: حتى يُدخِلَ الطِّفلُ الصَّغيرُ يَدَهُ في فَمِ الحَيَّةِ "فلا تَضُرُّهُ" بسُمٍّ أو غَيرِهِ؛ لأنَّ سُمَّها قد ارتَفَعَ وانعَدَمَ، "وتضُرَّ الوليدةُ الأسَدَ فلا يضُرُّها"، وفي روايةٍ: "وَتُفِرَّ الوَليدةُ الأسَدَ، فلا يَضُرُّها"، أي: تُؤْذي الطِّفلةُ الصَّغيرةُ الأسَدَ أو تَضطَرُّهُ للفَرارِ ولا يُؤْذيها، "ويكونَ الذِّئبُ في الغَنَمِ كأنَّه كَلْبُها" يَحرُسُها، ولا يَأكُلُها، وكُلُّ ذَلِكَ من قُدْرةِ اللهِ الحقِّ الذي أذهَبَ كُلَّ ضَغينةٍ من الصُّدورِ، وكُلَّ غِلٍّ حتى من الحَيَوانِ، "وتُملَأُ الأرضُ من السِّلمِ كما يُملَأُ الإناءُ من الماءِ"، أي: يعُمُّ السِّلمُ والأمْنُ الأرْضَ، "وتكونُ الكَلِمةُ واحِدةً" مُجتَمِعةً غَيرَ مُتفرِّقةٍ. وقد جاءَ عِندَ أحمَدَ، عن أبي هُرَيْرةَ: "وتكونُ الدَّعْوى واحِدةً"، وهي دَعْوةُ الإسْلامِ والتَّوحيدِ؛ "فلا يُعبَدُ إلَّا اللهُ" ولا يُشرِكُ به أحَدٌ، "وتضَعُ الحَربُ أوْزارَها" فتَنتَهي وتَخمُدُ نارُها، "وتُسلَبُ قُرَيشٌ مُلكَها"، فيكونُ المُلْكُ بيَدِ عيسى ابنِ مَريَمَ عليه السَّلامُ.
"وتكونُ الأرضُ كفاثورِ الفِضَّةِ"، الفاثورُ الخِوانُ والمائِدةُ، وقيلَ: هو طَستٌ أو إناءٌ من فِضَّةٍ، "تُنبِتُ نَباتَها بعَهدِ آدَمَ"، أي: يَعودُ الثَّمَرُ والنَّباتُ مِثلَ ما كان عليه من عَهدِ آدَمَ عليه السَّلامُ من الكَثْرةِ والكِبَرِ والبَرَكةِ، "حتى يَجتَمِعَ النَّفَرُ على القِطْفِ"، وهو اسْمٌ لكُلِّ ما يُقطَفُ، والمُرادُ به هُنا: العُنقودُ، "من العِنَبِ فيُشبِعَهُم، ويَجتَمِعَ النَّفَرُ على الرُّمَّانةِ فتُشبِعَهُم" لِعِظَمِ حَجْمِها وكَثْرةِ خَيرِها، "ويكونَ الثَّورُ بكذا وكذا وكذا من المالِ، ويكونَ الفَرَسُ بالدُّرَيهِماتِ"، أي: يكونُ رَخيصَ الثَّمَنِ؛ لِكَثْرةِ نَوعِهِ أو لِقِلَّةِ الحاجةِ إليه، فلا حَرْبَ بعدَ ذَلِكَ.
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإنَّ قَبلَ خُروجِ الدَّجَّالِ ثَلاثَ سَنَواتٍ شِدادٍ"، فيها القَحْطُ والفَقْرُ، "يُصيبُ النَّاسَ فيها جُوعٌ شَديدٌ، يَأمُرُ اللهُ السَّماءَ السَّنةَ الأُولى أنْ تَحبِسَ ثُلُثَ مَطَرِها، ويَأمُرُ الأرْضَ أنْ تَحبِسَ ثُلُثَ نَباتِها، ثُمَّ يَأمُرُ السَّماءَ في السَّنةِ الثَّانيةِ فتَحبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِها، ويَأمُرُ الأرضَ فتَحبِسُ ثُلُثَيْ نَباتِها، ثُمَّ يَأمُرُ السَّماءَ في السَّنةِ الثَّالثةِ فتَحبِسُ مَطَرَها كُلَّهُ، فلا تَقطُرُ قَطْرةً، ويَأمُرُ الأرضَ فتَحبِسُ نَباتَها كُلَّهُ، فلا تُنبِتُ خَضْراءَ، فلا يَبْقى ذاتُ ظِلْفٍ إلَّا هَلَكَتْ إلَّا ما شاءَ اللهُ"، أي: تَهلِكُ الحَيَواناتُ كُلُّها، والظِّلفُ بمَنزِلةِ الحافِرِ للفَرَسِ، "قيلَ: فما يُعيشُ النَّاسَ في ذَلِكَ الزَّمانِ؟" يَعني: على أيِّ شَيءٍ يَعيشونَ من الطَّعامِ والشَّرابِ؟ "قال: التَّهْليلُ"، وهو قَولُ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، "والتَّكْبيرُ"، وهو قَولُ: اللهُ أكبَرُ، "والتَّحْميدُ"، وهو قَولُ: الحَمدُ للهِ، وهذا هو الذِّكرُ، وهو الباقياتُ الصَّالِحاتُ، "ويُجزِئُ ذلك عليهم مَجزَأةَ الطَّعامِ"، أي: يَقومُ ذلك مَقامَ الطَّعامِ ويُغْني عنه، وفي رِوايةِ ابنِ ماجَهْ: "ويُجْرَى ذلك عليهم مَجْرَى الطَّعامِ" وهو المعنى نفْسُه، وهذا مِن فَضْلِ اللهِ على عِبادِهِ المُؤمِنينَ حيثُ يُلهِمُهُم أنْ يَذكُروهُ ويُغنيَهُم به عن الطَّعامِ والشَّرابِ، كما أنَّه دَليلٌ على قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ.
والحِكْمةُ في نُزولِ عيسى عليه السَّلامُ دُونَ غَيرِهِ من الأنبياءِ؛ قيل: هي الرَّدُّ على اليَهودِ في زَعْمِهِم أنَّهم قَتَلوهُ؛ فبيَّنَ اللهُ تَعالى كَذِبَهُم، وأنَّه هو الَّذي يَقتُلُهُم، أو نُزولُهُ لِدُنُوِّ أَجَلِهِ، لِيُدفَنَ في الأرضِ؛ إذ ليس لِمَخْلوقٍ من التُّرابِ أنْ يموتَ في غَيرِها.
وفي الحديثِ: التَّحْذيرُ مِن فِتْنةِ الدَّجَّالِ، والحثُّ على الاستِعْدادِ لها؛ لأنَّها أخطرُ فِتنةِ على وجْهِ الأرضِ.
وفيه: بَيانُ شِدَّةِ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِهِ، وتَحْذيرِهِم من الفِتَنِ، وبَيانُ ما يُنْجيهم منها.
وفيه: بَيانُ فَضْلِ سُورةِ الكَهْفِ، وفَضلِ ذِكرِ اللهِ سُبْحانَهُ، وخاصَّةً عِندَ الشَّدائِدِ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ تَغْييرِ المُنكَراتِ، وكَسْرِ آلةِ الباطِلِ كالصَّليبِ في حالةِ القُدْرةِ على ذلك.
وفيه: بَيانُ أنَّ الشَّرائِعَ المُحرَّفةَ من اليَهوديَّةِ والنَّصْرانيَّةِ مَوْضوعةٌ بدَليلِ كَسْرِ عيسى للصَّليبِ، وقَتلِهِ للخِنْزيرِ، وهُما من شِعارِهِما .